رسالة مفتوحة

السيد الباجي قائد السبسي، رئيس الجمهورية

السيد محمد الناصر، رئيس مجلس نواب الشعب

السيد يوسف الشاهد، رئيس الحكومة

 

 تحية طيبة وبعد،

 

يهم المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية الممضية على هذه الرسالة أن تبلغكم عميق انشغالها إزاء مشروع القانون المتعلق بإحداث "هيئة الاتصال السمعي البصري" الذي تلقته رئاسة الحكومة من الوزارة المكلفة بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان لتعارضه مع المكاسب التي نص عليها الدستور في مجال حرية التعبير والإعلام واستقلالية تعديل الاتصال السمعي والبصري.

 

ونتوجه إليكم من خلال رسالتنا هذه لتنبيهكم بخطورة هذا المشروع، الذي فضلا عن كونه يتعارض مع المعايير الدولية لحرية الإعلام واستقلالية، سيكون له حتما انعكاسات سلبية حق المواطن في صحافة حرّة وملتزمة بقواعد المهنة الصحفية وأخلاقياتها.

 

وإذ نؤكد على أن تشتيت النصوص القانونية وتجزئتها، من خلال تبني مشروع قانون"الأحكام المشتركة بين الهيئات الدستورية المستقلة" وفصل قانون "إحداث هيئة الاتصال السمعي والبصري" عن باقي الأحكام المنظمة للقطاع يفتح باب الغموض والتضارب بين هذه النصوص والحد من حرية الاتصال السمعي والبصري واستقلالية الهيئة التعديلية.

 

ونشدد على أن هذا التمشي يتعارض مع مبادئ الحكم الرشيد والمعايير الدولية وما يجري في الدول الديمقراطية من توجه نحو توحيد النصوص القانونية وتجنب تشتيتها.

 

فإننا ندعو الحكومة ومجلس نواب الشعب إلى تجنب هذا التمشي والتوجه إلى تبني قانون شامل للاتصال السمعي والبصري يحترم دستور 2014 والمعايير الدولية، ويُصاغ في إطار حوار جاد ومستمر يشارك فيه منظمات المجتمع المدني المعنية والمهنيون والخبراء المشهود لهم بالاستقلال في الرأي والكفاءة في مجال الإعلام.

 

 

السيد رئيس الجمهورية،

السيد رئيس مجلس نواب الشعب،

السيد رئيس الحكومة،

 

لقد نظم المرسوم 116 لسنة 2011 المصادق عليه منذ نوفمبر 2011  القطاع السمعي البصري في تونس وأحدثت بموجبه "الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري" (الهايكا).

 

 وبعد التصويت على دستور جديد في جانفي 2014، كان مُنتظَرا مواءمة النصوص التشريعية المتعلقة بحرية الاتصال السمعي البصري، مع الدستور الجديد.

غير أن وزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، المكلفة بالقيام بهذه المواءمة، اعتمدت مقاربة شتّتت الأحكام المتعلقة بالاتصال السمعي البصري في مشاريع قوانين متعددة دون مناقشتها في وقت واحد.

 

وفي هذا الصدد، صاغت الوزارة في الأشهر الأخيرة مشروع قانون يقضي بإنشاء هيئة الاتصال السمعي البصري، التي من المفترض أن تعوض الهيئة الحالية (الهيكا) دون أن يتم وضع تصور عام لإصلاح تعديل الاتصال السمعي البصري.

 

 ومثل هذا التمشي يجعل من الصعب جدا تقييم أثر إحداث هيكل لتعديل الاتصال السمعي والبصري في ظل غياب تصور شامل للإصلاحات المقترحة والتي ستكون مضمنة في قوانين متفرقة.

 

 وعلاوة على ذلك، لم يتم إخضاع مشروع القانون الحكومي إلى استشارة تمكن جميع الجهات الفاعلة في القطاع الإعلامي من المشاركة في صياغة الإطار التشريعي الذي يعنيها، على الرغم من أن عددا من الفاعلين في القطاع تقدّم بمبادرات أو شارك في إعداد مبادرات تهدف لإعداد نص تشريعي بديل للمرسوم عدد  116 لسنة 2011.

 

وبعد الاطلاع على أحكام مشروع قانون هيئة الاتصال السمعي البصري المذكور، يهم المنظمات الموقعة على هذه الرسالة أن ترفع إليكم أهم الملاحظات المثارة بشأنه:

 

 1.     صياغة غير مُرضية: بسبب رداءة تحرير النص وغياب تعريفات واضحة للمصطلحات المستخدمة، من الصعب فهم مشروع القانون واستيعاب صلاحيات هيئة الاتصال السمعي البصري ووظائفها بشكل واضح.

 

 2. تقييد خطير لصلاحيات هيئة الاتصال السمعي البصري:

 

أ‌.        انعدام الوضوح فيما يخص دور الهيئة في منح التراخيص: يفتقد الإجراء المنصوص عليه في الفصل 7 إلى الوضوح فيما يتعلق بمسألة إصدار التراخيص.      

وفي هذا الصدد، ينبغي توضيح المقصود بضرورة "التنسيق" مع الوكالة المكلفة بإسناد الترددات لتحديد صلاحيات كل طرف. فبما أن الوكالة المكلفة بإسناد الترددات خاضعة للدولة بشكل تام، قد يُصبح منح التراخيص متوقفاً على قرار سياسي بحت. وعلاوة على ذلك، لا يحدد النص إجراءات وشروط منح التراخيص.

ووفق القانون الدولي، يتعيّن أن يكون إسناد تراخيص مؤسسات الإعلام السمعي البصري صلاحية حصرية لهيئة مستقلة.

 

ب. لُبس حول دور الهيئة في سياق الحملات الانتخابية: يعطي مشروع القانون الحالي صلاحيات مشتركة لكل من هيئة الاتصال السمعي البصري والهيئة العليا المستقلة للانتخابات فيما يتعلق بتنظيم ومراقبة الحملة الانتخابية في وسائل الإعلام، دون تحديد صلاحيات كلا الهيئتين، علما أن هذا اللُبس من شأنه أن يؤدي إلى نزاعات في تأويل سلطة كل منهما، علما أن المرسوم عدد 116 كان أكثر دقة ووضوحا في هذا الباب.

 

 ج. دور غير كافٍ في عملية إقالة مديري المؤسسات الإعلامية العامة: إذا كان مشروع قانون هيئة الاتصال السمعي البصري ينص في الفصل 14 على أخد "الرأي المطابق" للهيئة في "مقترحات الحكومة في تسمية الرؤساء المديرين العامين للمؤسسات العمومية"، فإنه في المقابل لا يمنحها أية صلاحيات على مستوى القرارات المتعلقة بالإقالة والتعيين، مما يمهد الطريق أمام تعيينات بدافع سياسي أو لأسباب تتعلق بالمنفعة.

 

 وفي هذا السياق تذكّر المنظمات بالإقالة الأخيرة للرئيس المدير العام لمؤسسة "التلفزة التونسية" إلياس الغربي في 16 جوان 2017. وترى أنه كان على الحكومة أخذ الرأي المطابق للهيكا عملا بمبدأ توازي الصيغ والإجراءات الذي يحتم اعتماد نفس إجراءات التعيين عند الإقالة، خاصة وأن هناك استقرار فقه قضاء في هذا الشأن.

وحسب القانون الدولي، يجب تحويل مؤسسات الإعلام العمومي إلى مؤسسات تسدي خدمة عامة، وتكون استقلاليتها فعلية إزاء السلطات العامة والخاصة. في حين أن المؤسسات السمعية البصرية العمومية لا تزال تسير إلى اليوم بقوانين صدرت في عهد الدكتاتورية مثل القانون عدد 33 لسنة 2007 المتعلق بالمؤسسات العمومية للقطاع السمعي البصري وأوامره التطبيقية.

 

د. غموض بشأن سلطة فرض العقوبات: ينص مشروع القانون على اضطلاع هيئة الاتصال السمعي البصري بتحديد المخالفات والإخلالات التي ترتكبها مؤسسات الاتصال السمعي البصري وتلقي الشكاوى المتعلقة بالانتهاكات بالإضافة إلى إجراء تحقيقات في هذا السياق، علماً أن هذه الصلاحيات واردة في باب الرصد وتقديم الشكاوى للجهاز الإداري.

 

 وإذا كان النص يشير في عدة مناسبات إلى صلاحية الهيئة في "اتخاذ العقوبات المناسبة"، فإنه لا يحدد طبيعة هذه العقوبات بأي شكل من الأشكال.

وفي ضوء المعايير الدولية، يتعيّن أن يحدّد قانون هيئة الاتصال السمعي البصري، بوضوح، سلطات الهيئة العقابية وطبيعة العقوبات المترتبة عن ارتكاب الانتهاكات، وضمانات إجرائية جدية تشتمل بالخصوص على جلسة استماع لمرتكب الانتهاك، بالإضافة إلى إجبارية أن تعلّل الهيئة كتابيا العقوبات، وتتيح إمكانية الطعن فيها.

 

ه. غياب تام لصلاحيات تنظيمية بشأن التركيز وشفافية أصحاب المؤسسات الإعلامية: لا ينص مشروع القانون على أية صلاحية فيما يتعلق بمراقبة مدى احترام القواعد المرتبطة بتركّز ملكية وشفافية المؤسسات الإعلامية.

 ووفق المعايير الدولية،  تمثل تعددية وسائل الإعلام أحد الأهداف الرئيسية لسياسة وسائل الإعلام، ويجب أن تكون هذه التعددية مكفولة بالقانون. ومن المهم أن يحدد القانون بدقة دور هيئة التعديل في هذا الصدد.

 

 3. أوجه القصور في الجوانب المتعلقة بضمانات استقلالية الهيئة:

أ. استقلال مالي مقوَّض: ينص الفصل 1 من مشروع القانون على أن هيئة الاتصال السمعي البصري "مستقلة" وتتمتع "بالاستقلال المالي والإداري". بيد أن النص لا يضمن لها التمويل الكافي، حيث يشير إلى أن مجلس الهيئة يوافق على ميزانية سنوية يتولى إعدادها الجهاز الإداري تحت إشراف رئيس الهيئة، ولكن دون أن يحدد النص في أي من أحكامه شروط وصيغ تمويل هيئة الاتصال السمعي البصري، ولا الجهة الممولة ووفق أية معايير.

ووفق المعايير الدولية، يجب أن يتوفر للهيئة ضمان للحصول على تمويل كاف ومستقر لعدة سنوات.  

  

 4. قصور في صيغ تعيين أعضاء الهيئة وإقالتهم : لا يحدد مشروع القانون بدقة الأسباب التي قد تؤدي إلى إقالة أحد أعضاء المجلس، باستثناء الفصل 49 الذي يجيز "إعفاء رئيس مجلس الهيئة أو أحد أعضائه في صورة ارتكابه لخطأ جسيم أثناء القيام بالواجبات المحمولة عليه بمقتضى هذا القانون أو في صورة الإدانة بمقتضى حكم بات من أجل جنحة قصدية أو جناية".

 

وقد نص الفصل 30 على "إعفاء الرئيس أو أحد الأعضاء بناء على تقرير معلل ممضى من ثلثي (2/3) مجلس الهيئة ويعرض وجوبا على الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب للنظر فيه، ويتم الإعفاء بتصويت ثلثي (2/3) أعضاء مجلس نواب الشعب" ما من شأنه أن يفتح الباب أمام الإقالات على خلفية  انتهاكات بسيطة، أو أسباب غير مرتبطة بممارسة العضو لمهامه، أو لدوافع أو منافع سياسية.

 

     وفيما يخص مشروع قانون "الأحكام المشتركة بين الهيئات الدستورية المستقلة"، فإن المنظمات الموقعة على هاته الرسالة، تعرب عن قلقها إزاء حالة عدم اليقين الناجمة عن هذا النص فيما يتعلق بالقانون الأساسي لهيئة الاتصال السمعي البصري.

 

 ويشير الفصل 2 من مشروع قانون الهيئة إلى أنها ستخضع في الآن نفسه لأحكام قانونها الأساسي (قانون خاص) ولـ"الأحكام المشتركة" (قانون عام)، وهو ما قد يطرح صعوبات عند التطبيق وإشكاليات في التأويل خصوصاً في حال وجود تكرار أو تناقض في أحكام القانونَين.

 

المنظمات الموقعة

-         الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان

-         اللجنة من أجل احترام الحريات وحقوق الانسان بتونس

-         مركز تونس لحرية الصحافة

-         المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية

-         النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين 

-         جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية

-         الجمعية التونسية للدفاع عن القيم الجامعية

-         جمعية يقظة من أجل الديمقراطية والدولة المدنية

-         جمعية البوصلة

-         الاتحاد التونسي للإعلام الجمعياتي

-         الاتحاد الدولي للصحافيين

-         الشبكة الأورو متوسطية لحقوق الإنسان 

-         منظمة المادة 19

-         مراسلون بلا حدود

-         منظمة دعم الإعلام الدولي

-         جمعية دعم الإعلام الجمعياتي